فصل: فائدة في السواك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


1303 محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة شيخنا في صحيح مسلم القاضي شمس الدين أبو المعالي ابن القماح

صاحب المجاميع المفيدة

مولده سنة ست وخمسين وستمائة

وسمع من إبراهيم بن عمر بن مضر وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون والنجيب عبد اللطيف والعز عبد العزيز ابنى عبد المنعم الحراني وابن خطيب المزة وغيرهم

وكان ذكي القريحة قوي الحافظة حافظا لكثير من الفقه حسن الحفظ للقرآن كثير التلاوة

وحكم بالقاهرة مدة نيابة

توفي في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بالقاهرة

ووالده الشيخ علم الدين أحمد بن إبراهيم كان أيضا من أهل العلم والديانة المتينة وله النظم البديع وامتحن مرة بمحنة ذكر أنه نظم فيها أبياتا في ليلة لم ينفلق فجرها إلا وقد فرج عنه والأبيات

اصبر على حلو القضاء ومره ** واعلم بأن الله بالغ أمره

فالصدر من يلقى الخطوب بصدره ** وبصبره وبحمده وبشكره

والحر سيف والذنوب لصفوه ** صدأ وصيقله نوائب دهره

ليس الحوادث غير أعمال امرئ ** يجزى بها من خيره أو شره

فإذا أصبت بما أصبت فلا تقل ** أوذيت من زيد الزمان وعمره

واثبت فكم أمر أمضك عسره ** ليلا فبشرك الصباح بيسره

ولكم على ناس أتى فرج الفتى ** من سر غيب لا يمر بفكره

فاضرع إلى الله الكريم ولا تسل ** بشرا فليس سواه كاشف ضره

واعجب لنظمي والهموم شواغل ** يلهين عن نظم الكلام ونثره

وما أحسن قول شاعر العصر الشيخ جمال الدين ابن نباتة في هذا المعنى

لا تخش من غم كغيم عارض ** فلسوف يسفر عن إضاءة بدره

إن تمس عن عباس حالك راويا ** فكأنني بك راويا عن بشره

ولقد تمر الحادثات على الفتى ** وتزول حتى ما تمر بفكره

هون عليك فرب أمر هائل ** دفعت قواه بدافع لم تدره

ولرب ليل بالهموم كدمل ** صابرته حتى ظفرت بفجره

1304 محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشيخ شمس الدين بن اللبان

تفقه على الفقيه نجم الدين بن الرفعة

وصحب في التصوف الشيخ ياقوت المقيم بالإسكندرية وكان الشيخ ياقوت من أصحاب سيدي الشيخ أبي العباس المرسي صاحب سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي

وبرع ابن اللبان فقها وأصولا ونحوا وتصوفا ووعظ الناس وعقد مجلس التذكير بمصر وبدرت منه ألفاظ يوهم ظاهرها ما لا نشك في براءته منه فاتفقت له كائنة شديدة ثم نجاه الله تعالى

ودرس بالآخرة بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعي رضي الله عنه

واختصر الروضة وبوب الأم ورتبها على المسائل والأبواب

ووقفت له على كتاب متشابه القرآن والحديث وهو مختصر حسن تكلم فيه على بعض الآيات والأحاديث المتشابهات بكلام حسن على طريقة الصوفية

توفي بالطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة

ومن الفوائد والملح عنه والأشعار

فمن شعره ما أورده في كتابه المتشابه في الربانيات

تشاغل عنا بوسواسه ** وكان قديما لنا يطلب

محب تناسى عهود الهوى ** وأصبح في غيرنا يرغب

ونحن نراه ونملي له ** ويحسبنا أننا غيب

ونحن إلى العبد من نفسه ** ووسواس شيطانه أقرب

ومن مناجاته في هذا الكتاب وهو مما أخذ عليه

إلهي جلت عظمتك أن يعصيك عاص أو ينساك ناس ولكن أوحيت روح أوامرك في أسرار الكائنات فذكرك الناسي بنسيانه وأطاعك العاصي بعصيانه وإن من شيء إلا يسبح بحمدك إن عصى داعي إيمانه فقد أطاع داعي سلطانك ولكن قامت عليه حجتك ولله الحجة البالغة ‏{‏لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}

ومن كلامه فيه على حديث ‏(‏ إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ‏)‏ الحديث فيه إشارة إلى أن خشية سوء الخاتمة مخصوص بأهل أعمال الجنة وأما أهل الإخلاص لأعمال التوحيد فلا يخشى عليهم سوء الخاتمة ولهذا قال ‏(‏ فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ‏)‏ فافهم بذلك أن المقرب متقربان متقرب إلى الجنة بأعمالها ومتقرب إلى الله بذكره كما ثبت في ‏(‏ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ‏)‏ إلى قوله ‏(‏ وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ‏)‏

وذلك يفهمك أن المتقرب إلى الله تعالى لا يمكن أن يبقى بينه وبينه ذراع لأن ذلك الذراع إن كان التقرب به مطلوبا من العبد لم يبق بعده مقدار يتقرب الله تعالى به إليه وحينئذ فيستلزم الخلف في خبره وهو محال وإن كان موعودا به من الله لزم تنجز وعده وتحقق القرب للعبد فلا يبقى بعد ولا دخول إلى النار فعلم أن ذلك الذراع مخصوص بأهل القرب إلى الجنة التي لا يلزم ممن يقرب إليها فافهمه فإنه بديع

انتهى

ومنه قال أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب الأحوذي ثبوت الرؤية في الموقف وقال إن نعيم الرؤية لا يكون إلا للمؤمنين في الجنة وأن ما جاء في الرؤية في الموقف فإنما هو على سبيل الامتحان والاختبار

والذي نعتقده ثبوت الرؤية وتعميمها للمؤمنين في الموقف على ما صح في الحديث وذلك صريح في قوله تعالى ‏{‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ‏}‏ انتهى والله أعلم بالصواب

1305 محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق ابن داود الكناني الشيخ الإمام شمس الدين

سمع من العز الحراني والحافظ أبي محمد الدمياطي وأبي الحسن علي بن نصر الله بن الصواف

وتفقه على الشيخ وجيه الدين البهنسي

وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني شارح المحصول والنحو على الشيخ بهاء الدين بن النحاس

وأفتى وناظر ودرس وأفاد وناب في الحكم عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد وأرسل رسولا إلى اليمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون

وشرح مختصر المزني ولم يكمله

وفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة لما توجهنا إلى القاهرة في خدمة الشيخ الوالد رحمه الله عندما تسلطن السلطان الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ولي الأخ الشيخ بهاء الدين أبو حامد سلمه الله قضاء القضاة بالعساكر المنصورة ثم وقع نزاع كثير وولي الشيخ شمس الدين المشار إليه قضاء العسكر

وكان إماما عارفا بالمذهب مشارا إليه بالتقدم بين أهل العلم يضرب المثل باسمه

مولده سنة نيف وستين وستمائة

وتوفي في الطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة

ومن الفوائد عنه

مناظرة بينه وبين الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في حد الورع لا يحضرني منها إلا أنه ادعى أن الورع ترك الشبهة وأن الشيخ الإمام الوالد قال الورع مراتب أدناها اجتناب الكبائر

ونقلت من خط الوالد جوابا عن مكاتبة أرسلت إليه في هذا المعنى ما نصه وأما كلام ابن عدلان في الورع فتعجبت منه والورع درجات أدناها كل مسلم مجتنب للكبائر متصف به

هذا في المصدر وأما اسم الفاعل فهو تابع للمصدر لكن قد يخص في العرف ببعض المراتب

والشروط هل تحمل على المسمى كما ذكره الفقهاء في السلم أو على رتبة خاصة إن دل العرف عليها فيه بحث

أما عند اضطراب العرف فلا شك في الحمل على المسمى

وهذه الكلمات يمكن أن تبسط في تصنيف ولسنا من أهل الورع إنما أهله سعيد بن المسيب وسفيان ومن المتأخرين النووي

انتهى ما نقلته من خط الشيخ الإمام

وكانت الواقعة في وقف اشترط واقفه في مباشرة الورع فأفتى الشيخ الإمام بالاكتفاء فيه بالعدالة لاضطراب العرف في حد الورع

قال والعدالة أدنى مراتبه فيحمل عليها

وهذه مسألة حسنة تقع كثيرا وخالفه فيها ابن عدلان

أفتى ابن عدلان في واقف مدرسة على الفقهاء والمتفقهة ومدرس ومعيدين وجماعة عينهم

قال ومن شروط المذكور أن لا يشتغلوا بمدرسة أخرى غير هذه المدرسة ولا يكون لواحد منهم تعلق بمدرسة أخرى ولا مباشرة بتجارة ولا بزازة يعرف بها غير تجارة الكتب ولا ولاية بأنه يجوز للمقرر في هذه المدرسة الجمع بينها وبين إمامة مسجد قريب منها

ووافقه شيخ الحنفية في زماننا قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية علاء الدين علي بن عثمان المارديني بن التركماني

قلت وفيه نظر لنص الشافعي على أن الإمامة ولاية حيث يقول ولا أكره الإمامة إلا من جهة أنها ولاية وأنا أكره سائر الولايات

رأيت في كلام ابن عدلان أن شرائط المبيع ثمانية فذكر كونه طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه مملوكا للعاقد أو لمن يقع له العقد معلوما وزاد سالما من الربا خالصا من مقارنة ما لا يجوز العقد عليه وأن لا يكون معرضا للعاهة

قال وقولنا سالما من الربا احتراز عما لو اشتمل على الربا

وقولنا خالصا إلى آخره احتراز عما لو جمع بين معلوم ومجهول فإنه لا يصح في الأصح

وقولنا وأن لا يكون معرضا للعاهة احتراز عما لو باع الثمر قبل بدو الصلاح أو الزرع الأخضر ولم يشترط القطع فإنه لا يصح

1306 محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز

شيخنا وأستاذنا الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله التركماني الذهبي محدث العصر

اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ بينهم عموم وخصوص المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد لا خامس لهؤلاء في عصرهم

فأما المزي والبرزالي والوالد فسنترجمهم إن شاء الله تعالى

وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة إماما لوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها

وكان محط رحال تغيبت ومنتهى رغبات من تغيبت

تعمل المطي إلى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تنبل نحو داره

وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجعل حظه من غرفات الجنان موفر الأجزاء وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء

مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة

وأجاز له أبو زكريا بن الصيرفي وابن أبي الخير والقطب ابن أبي عصرون والقاسم بن الإربلي

وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة فسمع بدمشق من عمر بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم

وببعلبك من عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندي وغيرهما

وبمصر من الأبرقوهي وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب وشيخ الإسلام ابن دقيق العبيد والحافظين أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري وغيرهم

ولما دخل إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد وكان المذكور شديد التحري في الإسماع قال له من أين جئت قال من الشام قال بم تعرف قال بالذهبي قال من أبو طاهر الذهبي فقال له المخلص فقال أحسنت فقال من أبو محمد الهلالي قال سفيان بن عينة قال أحسنت اقرأ ومكنه من القراءة عليه حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء

وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي وأبي الحسن يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما

وبمكة من التوزري وغيره

وبحلب من سنقر الزيني وغيره

وبنابلس من العماد بن بدران

وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم

وسمع منه الجمع الكثير وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبل الليال

وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة عذرانها وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها

وكان شيخنا والحق أحق ما قيل والصدق أولى ما آثره ذو السبيل شديد الميل إلى آراء الحنابلة كثير الإزراء بأهل السنة الذين إذا حظروا كان أبو الحسن الأشعري فيهم مقدم القافلة فلذلك لا ينصفهم في التراجم ولا يصفهم بخير إلا وقد رغم منه أنف الراغم

صنف التاريخ الكبير وما أحسنه لولا تعصب فيه وأكمله لولا نقص فيه وأي نقص يعتريه

والتاريخ الأوسط المسمى بالعبر وهو حسن جدا

والصغير المسمى دول الإسلام

وكتاب النبلاء

ومختصر تهذيب الكمال للمزي

والكاشف مختصر ذلك وهو مجلد نفيس

والميزان في الضعفاء وهو من أجل الكتب

والمغني في ذلك

وكتابا ثالثا في ذلك

ومختصر سنن البيهقي وهو حسن

ومختصر الأطراف للمزي

وطبقات الحفاظ

وطبقات القراء

وكتابا في الوفيات

ومختصرا آخر فيها يسمى بالإعلام

والتجريد في أسماء الصحابة

والمجرد في أسماء رجال الكتب الستة

ومختصر المستدرك للحاكم

ومختصر تاريخ نيسابور للحاكم

ومختصر ذيل ابن الدبيثي

والمعجم الكبير والصغير

والمختص لمحدثي العصر

ومختصر المحلي لابن حزم

وكتاب نبأ الدجال

ومختصرات كثيرة

وقرأ القرآن بالروايات وأقرأه

توفي في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بالمدرسة المنسوبة لأم الصالح في قاعة سكنه

ورآه الوالد رحمه الله قبل المغرب وهو في السياق وقال له كيف تجدك فقال في السياق ثم سأله أدخل وقت المغرب فقال له الوالد ألم تصل العصر فقال بلى ولكن لم أصل المغرب إلى الآن وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله ومات بعد العشاء قبل نصف الليل

ودفن بباب الصغير حضرت الصلاة عليه ودفنه

وكان قد أضر قبل وفاته بمدة يسيرة

أنشدنا شيخنا الذهبي من لفظه لنفسه

تولى شبابي كأن لم يكن ** وأقبل شيب علينا تولى

ومن عاين المنحنى والنقى ** فما بعد هذين إلا المصلى

وأنشدنا لنفسه وأرسلها معي إلى الوالد رحمه الله وهي فيما أراه آخر شعر قاله لأن ذلك كان في مرض موته قبل موته بيومين أو ثلاثة

تقي الدين يا قاضي الممالك ** ومن نحن العبيد وأنت مالك

بلغت المجد في دين ودنيا ** ونلت من العلوم مدى كمالك

ففي الأحكام أقضانا علي ** وفي الخدام مع أنس بن مالك

وكابن معين في حفظ ونقد ** وفي الفتيا كسفيان ومالك

وفخر الدين في جدل وبحث ** وفي النحو المبرد وابن مالك

وتسكن عند رضوان قريبا ** كما زحزحت عن نيران مالك

تشفع في أناس في فراء ** لتكسوهم ولو من رأس مالك

لتعطي في اليمين كتاب خير ** ولا تعطي كتابك في شمالك

وذكر بعد هذا أبياتا على هذا النمط تتعلق بمدحي لم أذكرها وختمها بقوله

وللذهبي إدلال الموالي ** على المولى كحلمك واحتمالك

ومن نظمه أيضا في أسماء المدلسين

حد المدلسين ياذا الفكر ** جبر الجعفي ثم الزهري

والحسن البصري قل مكحول ** قتادة حميد الطويل

ثمت ابن عبد الملك القبطي ** وابن أبي نجيح المكي

والثبت يحيى بن أبي كثير ** والأعمش الناقل بالتحرير

وقل مغيرة أبو إسحاق ** والمرئي الميمون باتفاق

ثم يزيد بن أبي زياد ** حبيب ثابت فتى الأجداد

أبو جناب وأبو الزبير ** والحكم الفقيه أهل الخير

عباد منصور قل ابن عجلان ** وابن عبيد يونس ذو الشان

ثم أبو حرة وابن إسحاق ** حجاج أرطأة لكل مساق

ثم أبو سعد هو البقال ** عكرمة الصغير يا هلال

ثم ابن واقد حسين المروزي ** وابن أبي عروبة اصغ تفز

وليد مسلم حكى بقيه ** في حذف واه خلة دنيه

وقد كنت لما توفي شيخنا رثيته بقصيدة مطلعها

من للحديث وللسارين في الطلب ** من بعد موت الإمام الحافظ الذهبي

من للرواية للأخبار ينشرها ** بين البرية من عجم ومن عرب

من للدراية والآثار يحفظها ** بالنقد من وضع أهل الغي والكذب

من للصناعة يدري حل معضلها ** حتى يريك جلاء الشك والريب

من للجماعة أهل العلم تلبسهم ** أعلامه الغر من أبرادها القشب

من للتخاريج يبديها ويدخل في ** أبوابها فاتحا للمقفل الأشب

من في القراآت بين الناس نافعهم ** وعاصم ركنها في الجحفل اللجب

من للخطابة لما لاح يرفل في ** ثوب السواد كبدر لاح في سحب

منها

بالله يا نفس كوني لي مساعدة ** وحاذري جزع الأوصاب والرعب

فهذه الدار دار لا ذمام لها ** ليست بنبع إذا عدت ولا غرب

وليس تبقى على حال وليس لها ** عهد يمسك بالأوتاد والطنب

بينا يرى المرء في بحر المعزة ذا ** خوض ترامت عليه ذلة النوب

والأمر من واصل الأيام منقطع ** وعمر عامرها كالمربع الخرب

هذي المنية لا تنفك آخذة ** ما بين محتقر فينا وذي نسب

هي السهام نصبنا نحوها غرضا ** تصمي وتسلب كالعسالة السلب

وهو الحمام فلا تعجب عليه ولا ** تعجب لديه فما في الموت من عجب

وإن تغب ذات شمس الدين لا عجب ** فأي شمس رأيناها ولم تغب

هو الإمام الذي روت روايته ** وطبق الأرض من طلابه النجب

مهذب القول لاعي ولجلجة ** مثبت النقل سامي القصد والحسب

ثبت صدوق خبير حافظ يقظ ** في النقل أصدق أنباء من الكتب

كالزهر في حسب والزهر في نسب ** والنهر في حدب والدهر في رتب

وهي طويلة فليقع الاقتصار على ما أوردناه

ومن الفوائد عنه

ويعجبني من كلام شيخنا أبي عبد الله الحافظ فصل ذكره بعد تصنيف كتاب الميزان وأنا مورد بعضه

قال قد كتبت في مصنفي المزيان عددا كثيرا من الثقات الذي احتج البخاري أو مسلم أو غيرهما بهم لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين ولا اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلنيهم عندنا أصلا ولا بتكفير الخوارج لهم انحطت روايتهم بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحا في الطاعنين فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة

وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى

قال وسوف أبسط فصلا من هذا المعنى يكون فيصلا بين المجروحين المعتبر والمردود

فأما الصحابة فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى إذ العمل على عدالتهم وبه ندين الله

وأما التابعون فيكاد يعدم فيهم الكاذب عمدا ولكن لهم غلط وأوهام فمن نذر غلطه احتمل وكذا من تعدد غلطه وكان من أوعية العلم على تردد بين الأئمة في الاحتجاج بمن هذا نعته كالحارث الأعور وعاصم بن ضمره وصالح مولى التوأمة وعطاء بن السائب

ومن فحش خطؤه وكثر تفرده لم يحتج بحديثه ولا يكاد يقع ذلك في التابعين الأولين وإن وجد في صغار التابعين كمالك والأوزاعي فمن بعدهم فعلى المراتب المذكورة

وأما أصحاب التابعين فوجد في عصرهم من تعمد الكذب أو من كثر غلطه وتخبيطه فترك حديثه هذا مالك النجم الهادي بين الأمة وما سلم من الكلام فيه وكذا الأوزاعي ثقة حجة وربما انفرد ووهم وحديثه عن الزهري فيه شيء ما وقد قال فيه أحمد بن حنبل حديث ضعيف ورأي ضعيف

وقد تكلف لمعنى هذه اللفظة وكذا تكلم من لا يفهم في الزهري لكونه خضب بالسواد ولبس زي الجند وخدم عند هشام بن عبد الملك

وهذا باب واسع والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث

ثم ذكر جماعة من هذا الجنس أعني من لا يضرهم كلام من تكلم فيهم بل يضر المتكلم فمنهم الفضيل بن عياض فإنه ثقة سيد بلا نزاع

وقال أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة بن العلاء يقول تركت حديث الفضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى فيها على عثمان بن عفان رضي الله عنه فلا يسمع كلام قطبة ومن هو قطبة

ومنهم محمد بن إدريس الشافعي الإمام الذي سارت الركبان بفضائله ومعارفه وثقتة وأمانته فهو حافظ ثبت نادر الغلط حتى إن أبا زرعة قال ما عند الشافعي حديث غلط فيه وقال أبو داود ما أعلم للشافعي قط حديثا خطأ وقد روي أن ابن معين قال فيه ليس بثقة

قال الذهبي فقد آذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلفت أحد إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات كما لم يلتفتوا إلى توثيقه بعض الناس

قلت وقد قدمنا في ترجمة الأستاذ أبي منصور البغدادي أن ابن معين لم يعن الشافعي فانطوى هذا البساط

وأطال الذهبي النفس في هذا الموضع وأجاد فيه وقال في آخره فالشافعي من جلة أصحاب الحديث رحل فيه وكتب بمكة والمدينة والعراق واليمن ومصر ولقب ببغداد ناصر الحديث ولم يوجد له حديث غلط فيه والله حسيب من يتكلم بجهل أو هوى

نعم لم يكن الشافعي في الحديث كيحيى القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وابن المديني بل ما هو في الحديث بدون الأوزاعي ولا مالك وهو في الحديث ورجاله وعلله فوق أبي مسهر وأشباهه

انتهى

قلت ونحن لا نسلم أن الشافعي في الحديث دون من ذكره وغاية الأمر أن الذي ظهر أن ذكره أكثر وما ذاك إلا لاشتغال الشافعي بما هو أهم من ترتيب قوانين الشريعة

ويكفي الشافعي شهادة المحدثين له بأنه ليس له حديث غلط فيه

ثم أورد الذهبي الذين لم يؤثر الكلام فيهم على حروف المعجم فعد فيهم إبراهيم ابن طهمان وإبراهيم بن سعد وأبان بن يزيد العطار وأبا ثور وأحمد بن صالح الطبري المصري وأبا نعيم الأصبهاني الحافظ والخطيب أبا بكر الحافظ وأبا مسعود أحمد بن الفرات الرازي الحافظ وأحمد بن حنبل وأحمد بن منصور الرمادي الحافظ وإسرائيل بن يونس وإسماعيل بن علية وابن راهويه وجعفر الصادق وجرير بن حازم الأزدي وحبيبا المعلم وحرب بن شداد وحفص بن ميسرة وحمران بن أبان مولى عثمان وخالدا الحذاء وزكريا بن أبي زائدة والأعمش وعبد الرزاق وقيس بن أبي حازم ومالك بن دينار وهشام بن حسان وهمام بن يحيى والوليد بن مسلم ووهب بن منبه ويعلى بن عبيد الطنافسي وأبا إسحاق السبيعي وجماعة آخرين تركتهم اختصارا

وقد أجاد الشيخ رحمه الله فلا يخفى أن الكلام في هؤلاء وعدمه سواء ولا يؤثر الكلام فيهم شيئا ما وإذا عارض حديث أحدهم حديث من لم يقع فيه كلام لا نقول إنه يقدم عليه لأن الكلام فيهم لم يؤثر شيئا بل أقول لم يسلم أحد من أن يتكلم فيه بمثل ما تكمل في هؤلاء والله المستعان

قال لي شيخنا الذهبي مرة من في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع

فقلت يفيدنا الشيخ

قال عيسى ابن مريم عليه السلام فإنه من أمة المصطفى ينزل على باب دمشق ويأتم في صلاة الصبح بإمامها ويحكم بهذه الشريعة

قلت وهذا ما أشرت إليه بقصيدتي التي نظمتها في المعاياة منها

من باتفاق جميع الخلق أفضل من ** شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر

ومن علي ومن عثمان وهو فتى ** من أمة المصطفى المختار من مضر

وبعد أن نظمت هذه الأبيات وقفت على قصيدة غراء لبعض الأدباء أحببت تخليدها في هذا الكتاب وهي

سلا صاحبي الجزع من أبرق الحمى ** عن الظبيات الخرد البيض كالدمى

وعوجا على أهل الخيام بحاجر ** ورامة من أهل العراق فسلما

وإن سفهت ريح الشمال عليكما ** وريح الصبا في أرضها فتحلما

فبين الخيام أغيد يخطف الحشا ** مريض جفون للصحيحات أسقما

يريك الدياجي إن غدا متجهما ** وشمس الضحى إن ما بدا متبسما

ويفتر عن در يصان بهاؤه ** ويحرس بالظلم الممنع واللما

كأن قضيب البان في ميسانه ** رأى قده لما انثنى فتعلما

إذا الريح جالت حول عطفيه أصبحت ** تهب نسيما ما أرق وأنعما

يقيد من تعريجه الصدغ عقربا ** ويرسل من رجع الذؤابة أرقما

له في قلوب العالمين مهابة ** تبلغه في حكمه ما تيمما

وحثا إلى عبد الرحيم ركائبا ** تحاكي قسي النبع فوقن أسهما

فتى جمعت فيه الفضائل راضعا ** ونال العلى من قبل أن يتكلما

حليف التقى ترب الوقار مهذب الخلال ** يرى كسب المحامد مغنما

يبيت نديما للسماح معاقرا ** ويصبح صبا بالمعالي متيما

له خلق كالروض غب سمائه ** تضوع مسكا أذفرا وتبسما

إذا جئتماه فامنحاه تحية ** ملوكية أو كبراه وأعظما

وقولا له اسمع ما نقول ولا تكن ** ضجورا به مستثقلا متبرما

رأيناك في أثناء قولك معجبا ** بكونك أوفى الناس فهما وأعلما

فإن كنت من أهل الكتابة واثقا ** بنفسك فيها لا تخاف تهضما

فما ألف من بعد ياء مريضة ** مصاحبة عينا تخوفها العما

تظن إذا الراوي غدا ناطقا بها ** زمير نعام في الفلاة ترنما

وياء إذا مدت غدت غير نفسها ** وصارت حديثا عن جواك مترجما

وإن قصرت كانت غرابا بقفرة ** يرود لكي يلقى خليلا وأينما

وسينا أضافوها إلى الدال مرة ** فصرح بالشكوى لها ثم جمجما

يخاف إذا ما باح بالقول سطوة ** من الصاد أو غشا من الميم مؤلما

وما الكاف إن ردت إلى أصل خلقها ** وما القاف إن أضحى لها متقدما

وستة أشياخ تخال شخوصها ** إذا عكست نجم الثريا إذا سما

وحرفان محسوبان في العد سبعة ** تريك غبار الجو طار ودوما

وإن كنت من أهل البلاغة جامع اللغات ** بأنواع الأقاويل قيما

فما كلمات هن عرب صرائح ** يعود الفصيح إن شداهن أعجما

وإن قلبت أعيانهن وصحفت ** ترى مصقعا فيهن من كان أبكما

وما السيربان والجحوحة والضفا ** ضفا الدار والسمر الغرانف والهما

وما الحمل والتيمات والزام بعده ** وما الجعفريات تنزى وزغلما

وما السفح والفرغان والخنع والنقى ** وقف التوالي والهبابة والجما

وما الخيعر المبثوث والشامخ الذي ** يناط براعون ليصبح معلما

وما الحدب الهادي وما أجدب الكرى ** وما عنجم إن كنت تعرف عنجما

وما الزبرق المائي إذا غاب نجمه ** وما الزنبق الناوي إذا هو أنجما

وما العنقفيس والملاحيح والكبى ** وطارسة والفادحيات عظلما

وإن كنت ممن يدعي عربية ** ويحقر في النحو الإمام المقدما

فما لفظة إن أعربت أصبحت لقى ** يعاف بها المرء البليغ التكلما

وإن أهمل الإعراب فيها فمن غدا ** بشيء سواها ناطقا كان مفحما

وما اسم إذا ثنيته وجمعته ** تنصف فيهما رمته وتسهما

وحرف إذا أعملته صار معربا ** وفعل إذا عديته صار مذغما

وما حرف عطف ليس يوجد عاطفا ** إذا المرء آلى في المقال وأقسما

وحرفان للتوكيد ليسا لحاجة ** يعدان يل يرجى أخو النقص منهما

وما مصدر قد ألزم الرفع دائما ** وما اسمان إن فتشت بالجر ألزما

وما نون جمع تطلب الكسر شهوة ** وتكره أن ترقى إلى الفتح سلما

ترى الكسر غنما في يديها محصلا ** ويعتد ذاك الفتح خسرا ومغرما

وإن كنت في علم العروض ووزنه ** وجمع القوافي للورى متقدما

فكيف السباح واللباس ونافد ** إذا البيت زاد الوزن فيه وأخرما

وكيف السناد والرفاد إذا غدا ** بوصل إلى أصل الزحاف قد انتما

وما كلمات الوزن إن كنت عارفا ** بهن وما فعلان فيه وفعلما

وما الهزج المرمول إن رمت شرحه ** عن القضيب والبيت الطويل إذا جما

وما الجث في بحر الخفيف إذا غدا ** سريعا فلاقى جانيا فترمرما

وما الكامل المحسوب في بحر إلفه ** بسيطا إذا أضحى مذالا ململما

وما الخبل المطوي أصبح ناشرا ** إذا هو بالتشعيث صار مهشما

وما الكف والقبض المضارع مشكل ** بناء المديد بعد أن يتهدما

وما الثلم إن رمت اقتراب اتفاقه ** وما الحذف إن ألفى بتارا وأثرما

وإن كنت في نظم القريض مجودا ** وكنت عليه قادرا متحكما

فكيف يكون الرفع والقطع واصلا ** فريد المعاني حين أصبح توأما

وكيف الروي المستقيم وما الذي ** تقول إذا أنشأت تنعت عندما

وكيف ترى وصف السحاب وذكره ** إذا أحفرت أهدابه وإذا همى

ووصف أثافي الديار إذا انطوت ** محاسنها وابيض ما كان أسحما

وكيف خروج المدح والهجو بعده ** جميعا إذا كان النسيب متمما

وما وصف دوح مطمئن قراره ** يرى مضمحلا بالزيادة والنما

وغادية كالطود تحسب جرسها ** جوادا رأى الخيل العراب فحمحما

تميل إليها الغاديات رواجيا ** جناها لتكسوهن وشيا منمنما

تحط بأغوار البلاد رحاها ** وقد صافحت من قبل نسرا ومرزما

وإن كنت في القرآن أتقن حافظ ** وأدرى بأصناف الخلاف وأفهما

فمن جعل الأحزاب تسعين آية ** وزاد على التسعين عشرا فتمما

ومن جعل الفرقان من بعد فاطر ** وصير قبل الكهف سورة مريما

وعمن روى ابن الحاجبية وحده ** قراءته حتى على الناس قدما

ومن حقق الهمزات في سورة النسا ** ولينها في العنكبوت وأدغما

ومن زاد في مد الحروف وهمزها ** على ابن كثير أو أمال المفخما

ومن قال في القرآن عشرون سجدة ** وست ويروي ذاك عمن تقدما

ومن شدد النون التي قبل ربه ** وخفف لكن التي بعدها رمى

ومن وصل الآيات جحدا لقطعها ** ومد الضحى من بعد ما قصر السما

ومن حذف الياءات من غير علة ** وأنكر في القرآن تضعيف ربما

وإن كنت ذا فقه بدين محمد ** على ذكره صلى الإله وسلما

فمن جعل الإجماع في البيع حجة ** وصيره كالعرف ظنا مرجما

ومن رد ما قال ابن عباس عامدا ** ودان بما قال ابن حفص توهما

وماذا يرى النعمان في أهل قرية ** أقاموا إماما للأنام مجذما

وكيف ترى رأي ابن إدريس في فتى ** عصى وغدا في فعله متأثما

وما حجة الثوري فيما يقيسه ** إذا لم يثبت فيه أصلا مسلما

وما رأى شيخ العلم مالك في امرئ ** تمجس قصدا بعد ما كان أسلما

يحل إذا ما أحرم الناس بالضحى ** وإما أحل الناس بالليل أحرما

وليس بذي ذنب يقاد بفعله ** ولا قيل يوما قد أساء وأجرما

وإن كنت في حفظ النوائب أوحدا ** تجمع من أخبارها وما تقسما

فمن فرض التعفير قبل صلاته ** وأوجب في إثر الركوع التيمما

ومن جعل التسوير في الزند شرعة ** ومن سن في إحدى اليدين التختما

ومن فرض الصوم الربيعين بعد أن ** يصوم جمادى كله والمحرما

ومن حظر التزويج إلا بثيب ** وصير تزويج البكار محرما

ومن أوجب التكبير بعد صلاته ** على قومه فيما يقال وألزما

وقال زكاة المرء من نصف ماله ** تكون وإلا صار نهبا مقسما

ومن قال إن البيع ليس بجائز ** على المرء إلا أن يكون بعسرما

ومن طاف حول البيت سبعين مرة ** يرى ذلك التطواف فرضا محتما

ومن فرض التسليم في كل ركعة ** وأوجب فيها رنة وترنما

وإن كنت ممن يدعي علم سيرة ** وحفظا لأخبار الأوائل محكما

فمن صام عن أكل الطعام نهاره ** مع الليل يطوي الصوم حولا مجرما

ومن طاف نحوا من ثمانين حجة ** على حاجة ليست تماثل درهما

وفي يده أموال قارون كلها ** ونمرود كنعان وأموال علقما

ومن قطع البحرين في بعض يومه ** وواصل أقصى البر ساعة أعتما

ومن عاش ألفا بعد ألف كوامل ** يعوذ بدر الثدي من خيفة الظما

ومن ملك الدنيا الخئون بأسرها ** ثمانين يوما بعد عام تصرما

يذبح أولاد الأنام تجبرا ** ويستحي للنسوان منهم تذمما

ومن هاب خوض النيل ساعة زخره ** وخاض سواء البحر والبحر قد طما

ومن سار طول الأرض يوما وليلة ** وعاد على أعقابه ما تلوما

لعمرك إنا قد سألناك هينا ** ولم نقصد المعنى العويص المغمغما

ففكر ولا تعجل بما أنت قائل ** وسر منجدا تبغي الجواب ومتهما

فإن أنت فيما قد سألنا بيانه ** أصبت فحق أن تعز وتكرما

وإن أنت أخطأت الصواب ولم تعجب ** فحقك أن يحثى عليك وترجما

فما لك علم بالأمور وإنما ** قصاراك أن تروي كلاما منظما

1307 محمد بن أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الولد العزيز تقي الدين أبو حاتم

ولد سيدي وأخي شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد

هو الشاب المنغص على شبابه حبيب الشيخ الإمام وريحانته وأنيسه

ولد بالقاهرة في الثلث الأخير من ليلة ثالث وعشرين من رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة

وأجازه خلق

وسمع الحديث من جده الشيخ الإمام ومن خلق

وربي في حجر الشيخ الإمام بدمشق لا يكاد يفارقه وحل من قلبه بالمنزلة الرفيعة وحفظ القرآن العظيم وختم في سنة خمس وخمسين وسبعمائة ولم يزل عند جده بدمشق إلى أن عرض للشيخ الإمام الضعف فسفره أمامه إلى القاهرة في ربيع الأول سنة ست وخمسين ثم لحقه الشيخ الإمام

وكان قبل أن يسفره أحب أن يلقى درسا ويحضره قبل وفاته فعمل درسا درس به بالمدرسة العادلية الكبرى اجتمع فيه العلماء الشيخ الإمام فمن دونه وابتهج به الشيخ الإمام وحضره مع مرضه لكنه حمل نفسه وحمله حبه له

ثم استمر أبو حاتم في القاهرة

وحفظ التنبيه وغيره وجد في الاشتغال على والده وغيره

وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن هشام ولازم حلقة الشيخ جمال عبد الرحيم الإسنائي إلى أن نزل له والده عن تدريس المدرسة المنصورية فدرس بها

وحضر عنده قضاة القضاء الأربعة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي ورفقاؤه

ودرس أيضا بالسيفية والكهارية أصالة وبقبة الشافعي رضي الله عنه نيابة عن والده

وخطب بالجامع الطولوني وحضر مشيخة الميعاد فيه

وكان شابا دينا عاقلا أحسن الله عزاءنا فيه ورحمه

توفي في طاعون القاهرة عند طلوع الشمس من يوم الأربعاء ثامن عشر رجب سنة أربع وستين وسبعمائة رحمه الله رحمة واسعة لقد أحرق القلوب وشق الجيوب ألهم الله والده وألهمني معه الصبر على فقده لقد خالطته بعد كبرة نحو تسعة أشهر من شعبان سنة ثلاث وستين إلى ربيع الآخر من سنة موته يبيت ويصبح عندي فوالله ما اغتطت منه قط ولا نقمت عليه شيئا في دينه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

وكان ينظم الشعر ويحسن ترتيب الدروس كنت أحضر عنده بالمنصورية فيدرس بأبهة وتأت صبرنا الله على فقده إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى

1308 محمد بن أحمد بن عيسى بن رضوان القليوبي القاضي فتح الدين بن كمال الدين بن ضياء الدين

تفقه على والده وقد تقدم ذكر والده وجده في الطبقة السادسة وكان فقيها شاعرا مجيدا

ولي القضاء بأشموم ثم بأبيار ثم ولي قضاء صفد ثم انصرف منها وعاد إلى الديار المصرية وتقلبت به الأحوال

ومن شعره وقد أرسل له بعضهم بسرا كبير النوى

أرسلت لي بسرا حقيقته نوى ** عار فليس لجسمه جلباب

ولئن تباعدت الجسوم فودنا ** باق ونحن على النوى أحباب

وأنعم عليه الصاحب تاج الدين بتفصيلة فكتب إليه

يأيها المولى الوزير الذي ** أفضاله أوجب تفضيله

أحسنت إجمالا ولم ترض بالإجمال ** إذا أرسلت تفصيله

وشعره كثير منشور حسن مسطور

توفي في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة

1309 محمد بن إسحاق بن إبراهيم السلمي القاضي تاج الدين المناوي

خليفة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة على الحكم بالديار المصرية

كان عارفا بالمحاكمات فقيها ناهضا

سمع الحديث من ست الوزراء ابنة المنجا وأحمد بن أبي طالب الحجار وغيرهما

وحدث ودرس بالمشهد الحسيني بالقاهرة وغيره

وولي قضاء العسكر وحكم بين المسلمين خلافة عن قاضي القضاة عز الدين مدة مديدة

توفي في سادس شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة بالقاهرة

1310 محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى الشيخ عماد الدين البلبيسي

وقفت له على ترجمته لشخص قال فيها هو محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى الشافعي المشهور بالبلبيسي نقلته من خطه رحمه الله لقبه عماد الدين

الفقيه الأصولي الصوفي الذكي

اشتغل بمصر على الفقيه نجم الدين بن الرفعة والشيخ جمال الدين الوجيزي والشيخ شرف الدين القلقشندي والظهير التزمنتي والشيخ عز الدين ابن مسكين وغيرهم

وكان ملازما للشيخ نجم الدين كثيرا وعنه أخذ وبه مهر في الفقه

وبحث مع الشيخ نجم الدين القمولي والشيخ نجم الدين بن عقيل البالسي

وفاق على أقرانه في ذلك الزمان واشتغل بالاشتغال بمصر وانتفع به خلق كثير

وأجاز جماعة بالإقراء بمصر منهم تلميذه الفقيه تقي الدين الببائي وكان المذكور له من الذكاء والفهم حظ وافر

ولي الشيخ عماد الدين مدرسة الخانقاه المعروفة بأرسلان بالمنشأة بين القاهرة ومصر ثم ولي قضاء الإسكندرية عن الملك الناصر محمد بن قلاوون فأقام بها مدة ثم حصلت له محنة طلب منه أخذ أموال الأيتام للسلطان فامتنع فعزل ووضع من مقداره بسبب ذلك

ثم ولي تصدير المدرسة الملكية الجوكندار بالقاهرة المحروسة قريبا من المشهد الحسيني أقام بها يشغل الطلبة من الظهر إلى العصر كل يوم خلا أيام الجمع والثلاثاء لا يشغله عن ذلك شاغل حتى كان يحضر في بعض الأيام من بيته ماشيا وكان بعيدا وبعض الأيام يركب مكاريا وإذا ركب لا يكري إلا دابة ضعيفة محتقرة وكان يقول هذا ربما لا يقصده الناس كثيرا فأنا أريد بره والغرض يحصل وبعض أوقاته يركب بغلته

وكان فقيرا لم تحصل له قط كفايته وكان معلوم التصدير نحو ثمانين درهما نقرة في الشهر ليس له غيرها وصبر على ذلك إلى أن توفاه الله

وكان مجتهدا في أشغال الطلبة حتى إنه يأمرهم بالكتابة لما يشرحه لهم ويحفظونه ويستدعي عرض ذلك منهم

وكان مولعا بذكر الألغاز في الفقه وغيره

كتابه التنبيه والحاوي الصغير وكان يعظم الحاوي ويحث الطلبة على الاشتغال به وشرحه ولم يخرجه وشرح قطعة من التنبيه

وكان شديد الاعتقاد في الفقراء يمشي إليهم ويتبرك بدعائهم وجرى له مع شخص مكاري ركب معه من القاهرة إلى مصر قبل أن يلي قضاء الإسكندرية مكاشفة فلما ركب خطر في خاطره بغلة وجارية تركية مليحة وإذا المكاري قال له يا فقيه شوشت علينا أو ما هذا معناه بغلة وجارية بغلة وجارية يحصل لك ذلك فلما ولي قضاء الإسكندرية ركب البغلة وملك الجارية تركية مليحة

كان رحمه الله نخبة الزمان جليسه لا يمله درسه بستان حوى العلوم ونزهة تزيل هم كل مهموم ساعة في الفقه وساعة في النحو وساعة في حكايات مستظرفة وأشعار مستلطفة

حكى لنا في درسه العام قال كنت ملازما للشيخ نجم الدين بن الرفعة وكان منديله دائما فيه شيء من الذهب فقام يوما مسرعا من الدرس فتبعته فقال خذ هذا المنديل معك ودخل الخلاء لقضاء حاجته ثم خرج وهو ينشد

علة البول والخرا ** حيرا كل من ترى

فهما آفة الورى ** سهلا أم تعسرا

وأنشدنا للشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد رحمه الله

لعمري لقد قاسيت بالفقر شدة ** وقعت بها في حيرتي وشتاتي

فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي ** وإن لم أبح بالضر خفت مماتي

فأعظم به من نازل بملمة ** يزيل حيائي أو يزيل حياتي

أفادنا رحمه الله فوائد كثيرة غريبة منها فرعان غريبان قال سمعتهما من الشيخ نجم الدين بن عقيل البالسي وكان من العلماء الفضلاء قال رأيتهما في كتاب ولم يحضرني ذكره وهو

لو كتب آية وطمسها بالمداد أو آية مقطعة الحروف فهل يحل للجنب مسها أو كتابتها في المسئلة وجهان

إذا قلنا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة فينبغي أن يكون بيعها إذا بيعت بجنسها كبيع آلات الملاهي لأنها محرمة الاتخاذ كهي

الوجه الصائر إلى أن حد الضبة في الكبر والصغر أن الكبير قدر النصاب والصغير دونه

قلت فيه نظر لأن النصاب يطلق بإزاء نصاب السرقة وبإزاء نصاب الزكاة ونصاب الزكاة مختلف في قدره فأي نصاب أريد والأولى أن يحمل على نصاب السرقة هذا ما ظهر لي

فائدة في السواك

السواك مطهرة للفم مرضاة للرب مفرح للملائكة مسخط للشيطان يزيد في الثواب ويقوي البصر وأصول الشعر ويشد اللثة ويقطع البلغم ويحل عقد اللسان ويزيد في الذكاء ويقوي الباءة ويكثر الرزق ويزيل تغير الرائحة الكريهة والقلح ويهون سكرات الموت نقل ذلك بعض مشايخنا رضي الله عنهم

نقل عن تطريز الوجيز في نتف الشيب أنه سفه ترد به الشهادة

لا يشترط في المنوي تحقق فعله بل إمكانه حتى لو نوى أن يصلي بوضوئه أول رمضان صلاة العيد صح وكذا لو نوى بوضوئه لصلاة العيد أن يصلي ركعتي الطواف بمكة صح لأن العقل لا يحيله وإن خالف العادة

سؤال فيه إبهام على الفطن لو رأى في بعض بدنه نجاسة وخفي عليه موضعها كيف يصنع

جوابه يغسل جميع ما يمكنه رؤيته له من بدنه لا ما لا يمكن رؤيته فإنه لا يجب غسله

وفوائده كثيرة

توفي رحمه الله في سنة تسع وأربعين وسبعمائة عام الطاعون بمنزلة المجاور لمدرسة الملك الجوكندار ودفن بتربة المقر السيفي قشتمر خارج القاهرة

قلت هذا ما أشرت إليه في قصيدتي التي نظمتها في المعاياة منها

سل لي أخا الفكر والتنقيب والسهر ** ما اسم هو الحرف فعلا غير معتبر

وأي شكل به البرهان منتهض ** ولا يعد من الأشكال والصور

وأي بيت على بحرين منتظم ** بيت من الشعر لا بيت من الشعر

وأي ميت من الأموات ما طلعت ** بموته روحه في ثابت الخبر

ولا يضاف إلى البحرين واختلفوا ** فيه وجاءوا بقول غير مختصر

من عد في أمراء المؤمنين ولم ** يحكم على اثنين من بدو ولا حضر

ولم يكن قرشيا حين عد ولا ** يجوز أن يتولى إمرة البشر

من باتفاق جميع الخلق أفضل من ** شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر

ومن علي ومن عثمان وهو فتى ** من أمة المصطفى المبعوث من مضر

من أبصرت في دمشق عينه صنما ** مصورا وهو منحوت من الحجر

إن جاع يأكل وإن يعطش تضلع من ** ماء نمير زلال ثم منهمر

من قال إن الزنى والشرب مصلحة ** ولم يقل هو ذنب غير مغتفر

من قال إن النكاح الأم يقرب من ** تقوى الإله مقالا غير مبتكر

من قال سفك دماء المسلمين على الصلاة ** أوجبه الرحمن في الزمر

من كان والدها ابنا في الأنام لها ** وذاك غير عجيب عند ذي النظر

وهات قل لي إبراهيم أربعة ** بعض عن البعض من هم تحظ بالظفر

وهكذا خلف من الرواة كذا ** محمد في المغازي جاء والسير

وما اللقيقة جاءت والسحيقة في ** غريب ما صح مما جاء في الأثر

وعن فتاة لها زوجان ما برحا ** تزوجت ثالثا حلا بلا نكر

وآخر راح يشري طعم زوجته ** فعاد وهو على حال من العبر

قالت له أنت عبدي قد وهبتك من ** زوج تزوجته فاخدمه واصطبر

وخمسة من زناة الناس خامسهم ** ما ناله بالزنى شيء من الضرر

والقتل والرجم والجلد الأليم مع التغريب ** وزع في الباقين فافتكر

1311 محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة ابن حازم بن صخر شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي

حاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى متحل بالعفاف متخل إلا عن مقدار الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه

مولده في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة

ولي قضاء القدس مدة ثم درس بالقيمرية بدمشق ثم ولي خطابة القدس وقضاءها ثانيا ثم نقل منها إلى قضاء القضاة بالديار المصرية ثم ولي قضاء دمشق وخطابتها ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية وسار في القضاء سيرة حسنة وأضر بالآخرة

سمع بديار مصر من أصحاب البوصيري ومن ابن القسطلاني وأجازه ابن مسلمة وغيره

وقرأ بدمشق على أصحاب الخشوعي وسمعنا الكثير عليه

مات بمصر في ليلة الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة

أخبرن شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة قراءة عليه وأنا حاضر في الثالثة أخبرنا أبو الفرج بن أبي محمد عبد المنعم بن أبي الحسن على النميري بقراءتي عليه أخبركم الشيخ أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن كليب قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز قراءة عليه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا الحسن بن عرفة أخبرنا عمار بن محمد عن الصلت ابن قويد الحنفي قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول سمعت خليلي أبا القاسم يقول ‏(‏ لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء ‏)‏

رواه سفيان بن وكيع عن زيد بن الحباب عن عمار بن محمد هو غاية في العلو

أخبرنا قاضي القضاة بدر الدين حضورا أخبرنا الشيخ الفقيه أبو الحسن علي ابن الشيخ الزاهد أبي العباس المعروف بابن القسطلاني قال سمعت والدي الإمام أبا العباس يقول سمعت الشيخ الإمام أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي رضي الله عنه يقول علامة الصادق أن يفتقر بإيمانه إلى كل إيمان وبعقله إلى كل عقل وبعلمه إلى كل علم

أنشدنا قاضي القضاة بدر الدين حضورا أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد أنشدنا الإمام الحافظ أبو الحسن الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المالكي إملاء لنفسه

أعم خلائق الإنسان نفعا ** وأقربها إلى ما فيه راحه

أداء أمانة وعفاف نفس ** وصدق مقالة وسماح راحه

ومن شعر قاضي القضاة بدر الدين ما أنشدنيه ولده سيدنا قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بقراءتي عليه بالقاهرة قال أنشدنا والدي لنفسه

جهات أموال بيت المال سبعتها ** في بيت شعر حواها فيه كاتبه

خمس وفيء خراج جزية عشر ** وإرث فرد ومال ضل صاحبه

وأنشدنا مولانا قاضي القضاة عز الدين أيضا بقراءتي عليه قال أنشدني والدي لنفسه

أحن إلى زيارة حي ليلى ** وعهدي من زيارتها قريب

وكنت أظن قرب العهد يطفي ** لهيب الشوق فازداد اللهيب

وأنشدني أيضا بقراءتي عليه قال أنشدني والدي لنفسه

أهني بشهر الصوم من لو بثثته ** عظيم اشتياقي رق مما أعانيه

وأشكو إليه حسدا لو بلي بهم ** شوامخ حسمى هدها ما تقاسيه

ومن كان لا يرضيه من حالتي سوى ** خلاف مراد الله ما حيلتي فيه

ومن شعره أيضا

قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا ** عشر بها بشر الداعي بإفلاح

طهارة وصلاة معهما ندم ** وقت خشوع وحسن الظن يا صاح

وحل قوت ولا يدعى بمعصية ** واسم يناسب مقرون بإلحاح

من كتاب كشف المعاني لابن جماعة ذكر في الجمع بين الرحمن والرحيم في البسملة أن أحسن ما يقال فيه ولم نجده لغيره أن فعلان مبالغة في كثرة الشيء ولا يلزم منه الدوام كغضبان وفعيل لدوام الصفة كظريف فكأنه قيل العظيم الرحمة الدائمها

قال وإنما قدم الرحمن على الرحيم لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمنين والكافرين وفي الآخرة دائمة لأهل الجنة ولذلك يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة

وفي البقرة ‏{‏رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا‏}‏ وفي إبراهيم ‏{‏رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا‏}‏ لأن آية البقرة دعا بها إبراهيم عن نزول إسماعيل وهاجر في الوادي قبل بناء مكة وآية سورة إبراهيم بعد عوده إليها وبنائها

في البقرة ‏{‏وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ‏}‏ وفي المائدة والأنعام والنحل ‏{‏لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏}‏ لأن آية البقرة وردت في سياق المأكول وحله وحرمته فكان تقدم ضمير قد تعلق الفعل به أهم وآية المائدة وردت بعد تعظيم شعائر الله وأوامره وكذلك آية النحل بعد قوله ‏{‏وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ‏}‏ فكان تقدم اسمه أهم

وأيضا فآية النحل والأنعام نزلتا بمكة فكان تقديم ذكر الله بترك ذكر الأصنام على ذبائحهم أهم لما يجب من توحيده وإفراده بالتسمية على الذبائح

وآية البقرة نزلت بالمدينة على المؤمنين لبيان ما يحل وما يحرم فقدم الأهم فيه

قوله تعالى ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا‏}‏ وقال بعد ‏{‏فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏}‏ لأنه أشار بالحدود في الأول إلى نفس المحرمات في الصيام والاعتكاف من الأكل والشرب والوطء والمباشرة فناسب ‏{‏لاَ تَقْرَبُوهَا‏}

وفي الثانية إلى المأمورات في أحكام الحل والحرمة في نكاح المشركات وأحكام الطلاق والعدد والإيلاء والرجعة وحصر الطلاق في الثلاث والخلع فناسب ‏{‏لاَ تَعْتَدُوهَا‏}‏ أي قفوا عندها ولذلك قال بعد ذلك ‏{‏وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}

قوله ‏{‏مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وقال بعد ذلك ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ فأتى بالإحسان في الأولى وبالتقوى في الثانية لأن الأولى في مطلقة قبل الفرض والدخول فالإعطاء في حقها إحسان وإن أوجبه قوم لأنه لافى مقابلة شيء فناسب المحسنين

والثانية في الرجعية والمراد بالمتاع عند المحققين النفقة ونفقة الرجعية واجبة فناسب حق المتقين

ورجح أن المراد به النفقة أنه ورد عقب قوله ‏{‏مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ‏}‏ والمراد به النفقة وكانت واجبة قبل النسخ ثم قال ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ‏}‏ فظهر أنه النفقة في عدة الرجعية بخلاف البائن بخلع فإن الطلاق من جهتها فكيف تعطى المتعة التي شرعت جبرا للكسر بالطلاق وهي الراغبة فيه فظهر أن المراد بالمتاع هنا النفقة زمن العدة لا المتعة

وللعلماء في هاتين الآيتين اضطراب كثير وما ذكرته أظهر لأنه تقدم حكم الخلع وحكم عدة الموت وحكم المطلقة بعد التسمية وبقي حكم المطلقة الرجعية فيحمل عليه

في ‏{‏يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ‏}‏ أفرد ‏{‏النُّوُرِ‏}‏ لأن دين الحق واحد وجمع ‏{‏الظُّلُمَاتِ‏}‏ لأن الكفر أنواع

في البقرة ‏{‏لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ‏}‏ لأن المثل للعامل فكان تقديم نفي قدرته وصلتها وهي ‏{‏عَلَىَ شَيْءٍ‏}‏ أنسب

وفي سورة إبراهيم ‏{‏مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ لأن المثل للعمل لقوله تعالى ‏{‏مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ‏}‏ تقديره مثل أعمال الذي كفروا فكان تقديم ‏{‏مَا كَسَبُواْ‏}‏ أنسب لأن صلة ‏{‏شَيْءٍ‏}‏ وهو الكسب

وفي البقرة ‏{‏فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء‏}‏ قدم المغفرة وفي المائدة قدم ‏{‏يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ‏}‏ لأن آية البقرة جاءت ترغيبا في المسارعة إلى طلب المغفرة وإشارة إلى سعة رحمة الله وآية المائدة جاءت عقب ذكر السارق والسارقة فناسب ذكر العذاب

قوله في آل عمران ومريم ‏{‏وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ‏}‏ وفي الزخرف

{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ‏}‏ لأنه تقدم في السورتين من الآيات الدالة على توحيد الرب وقدرته وعبودية المسيح له ما أغنى عن التأكيد بخلاف الزخرف

في يونس ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ‏}‏ قدم الضرر لتقدم ‏{‏إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏ وفي الفرقان ‏{‏مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ‏}‏ لتقدم ذكر النعم

ونظيره تقديم ‏"‏الأرض‏"‏ في يونس في قوله ‏{‏وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء‏}‏ ولأنه تقدم ‏{‏وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ‏}‏ الآية فناسب تقديم الأرض لأن الشئون والعمل في الأرض وفي سبأ ‏{‏فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ‏}

1312 محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد الشيخ تاج الدين المراكشي

ولد بعد السبعمائة

ونشأ بالقاهرة وتفقه بها وقرأ على قاضي القضاة الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي ولازم الشيخ ركن الدين بن القوبع

وكان فقيها نحويا متفننا مواظبا على طلب العلم لا يفتر ولا يمل إلا في القليل

أعاد في القاهرة بقبة الشافعي ثم دخل دمشق ودرس بالمسرورية

وسمع من شيخنا الحافظ المزي وجماعة

ثم ترك التدريس وانقطع بدار الحديث الأشرفية على طلب العلم إلى أن توفي فجأة بعد العصر من يوم الأحد ثالث عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

أنشدنا من لفظه لنفسه

قلة الحظ يا فتى ** صيرتني مجهلا

وجهول بحظه ** صار في الناس أكملا

دخلت إليه مرة وهو ينشد قول ابن بقي

حتى إذا مالت به سنة الكرى ** زحزحته شيئا وكان معانقي

أبعدته عن أضلع تشتاقه ** كي لا ينام على وساد خافق

وقول الحكم بن عقال

إن كان لا بد من رقاد ** فأضلعي هاك عن وساد

ونم على خفقها هدوا ** كالطفل في نهنه المهاد

وهو ومن عنده يقولون إن قول الحكم أجدر بالصواب فإنه لا يناسب المحب أن يبعد حبيبه وينشدون قول الشيخ صلاح الدين الصفدي أمتع الله ببقائه في ذلك ردا على ابن بقي

أبعدته من بعد ما زحزحته ** ما أنت عند ذوي الغرام بعاشق

إن شئت قل أبعدت عنه أضالعي ** ليكون فعل المستهام الوامق

أو قل فبات على اضطراب جوانحي ** كالطفل مضطجعا بمهد حافق

قلت إن ابن بقي وإن أساء لفظا حيث قال أبعدته فقد أحسن معنى لأنه وصف أضلعه بالخفقان والاضطراب الزائد لا يستطيع الحبيب النوم عليها فقدم مصلحته على مصلحته وترك ما يريد لما يريد وأبعده عما يقلقه

ولو قال

أبعدت عنه أضلعا تشتاقه **

لأحسن لفظا كما أحسن معنى وأما الحكم فإنه وصف خفقانه بالهدو وهو خفقان يسير يشبه اضطراب سرير الطفل وهذا نقض فوقع النزاع في ذلك

وأرسلوا إلى القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله رحمه الله صورة سؤال عن الرجلين ابن بقي والحكم أيهما المصيب فكتب

قول ابن بقي عليه مأخذ ** لكنه قول المحب الصادق

يكفيه في صدق المحبة قوله ** كي لا ينام على وساد خافق

ما الحب إلا ما يهد له الحشا ** ويهد أيسره فؤاد العاشق

في أبيات أخر لم تجر على خاطري الآن

وأبيات ابن بقي هذه من كلمة له حسنة وهي

بأبي غزال غازلته مقلتي ** بين العذيب وبين شطي بارق

وسألت منه زيارة تشفي الجوا ** فأجابني منها بوعد صادق

بتنا ونحن من الدجا في خيمة ** ومن النجوم الزهر تحت سرادق

عاطيته والليل يسحب ذيله ** صهباء كالمسك الفتيق لناشق

وضممته ضم الكمي لسيفه ** وذؤابتاه حمائل في عاتقي

حتى إذا مالت به سنة الكرى ** زحزحته شيئا وكان معانقي

أبعدته عن أضلع تشتاقه ** كي لا ينام على وساد خافق

لما رأيت الليل آخر عمره ** قد شاب في لمم له ومفارق

ودعت من أهوى وقلت تأسفا ** أعزز علي بأن أراك مفارقي

ويقرب من هذه النكتة أن جريرا قال

طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذا ** وقت الزيارة فارجعي بسلام

فعيب عليه قوله فارجعي وهو نقد حسن فأي لفظ أبشع من قول المحب لمن يحبه ارجع

ورأيت الشيخ صلاح الدين الصفدي نفع الله به قد قال رادا عليه

يا خجلتا لجرير من ** قول كفانا الله عاره

طرقتك صائدة الفؤاد ** وليس ذا وقت الزياره

هل كان يلقى إن أتاه ** خيال من يهوى خساره

أو كان قلب قد حواه ** من حديد أو حجاره

فعجبت له كيف ترك لفظة ارجعي وهو أبشع ما عيب به على جرير وقلت

أما جرير فجر ثوب العار في ** دعوى الضنى وله دثار غرام

إذ كذب الدعوى وقال لها وقد ** زارته في الغلس ارجعي بسلام

ثم قلت لعل الشيخ صلاح الدين إنما ترك لفظة الرجوع لنكارتها وقلت

إني لأعجب من جرير وقوله ** قولا غدوت به أنكر حاله

طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذا ** وقت الزيارة فاستمع أقواله

وعذر فلست بقادر والله أن ** أحكي الذي بعد الزيارة قاله

فلما وقف الشيخ صلاح الدين على كلامي هذا كله زعم أني أعترف له بحسن النقد وقال

أما جرير فلم يكن ** صبا ولكن يدعي

أوما تراه أتته صائدة ** الفؤاد فلم يعي

بل قال جهلا ليس ذا ** وقت الزيارة فارجعي

لو كنت حاضر أمره ** قلت ارجعي وله اصفعي

قلت ولا يخفى أن هذه الاعتراضات كلها لفظية طرقت قائلها ولم يحقق فإن جريرا لم يقصد برجوعها إلى الشفقة عليها من الزيارة في غير وقت الزيارة فجاءه الاعتراض من لفظة الرجوع فقط كما جاء ابن بقي من لفظة الإبعاد وربما أتي أقوام من سوء العبارة

قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي أخبرني أبو غالب محمد بن أحمد ابن سهل النحوي قال حكيت للوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي قول أبي الحسن الكرخي أوصانا شيوخنا بطلب العلم وقالوا لنا اطلبوه واجتهدوا فيه فلأن يذم لكم الزمان أحسن من أن يذم بكم الزمان

قال فاستحسن الوزير ذلك وكتبه ثم عمل أبياتا وأنشدنيها وهي

ولقد بلوت الدهر أعجم صرفه ** فأطاع لي أصحابه ولسانه

ووجدت عقل المرء قيمة نفسه ** وبجده جدواه أو حرمانه

وعلى الفتى أن لا يكفكف شأوه ** عند الحفاظ ولا يغض عيانه

فإذا جفاه المجد عيبت نفسه ** وإذا جفاه الجد عيب زمانه

قلت وهذه أبيات حسنة بالغة في بابها وقد حاول الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني اختصارها فقال

تجنب أن تذم بك الليالي ** وحاول أن يذم لك الزمان

ولا تحفل إذا كملت ذاتا ** أصبت العز أم حصل الهوان

فأغفل ما تضمنته أبيات الوزير الثلاث من المعاني واقتصر على ما تضمنه البيت الرابع ثم انقلب عليه المعنى وأتي من سوء التعبير فإن المقصود أن المرء يكمل نفسه ولا عليه من الزمان وأما أنه يسعى في أن يذم له الزمان فليس بمقصود ولا هو مراد أشياخ الكرخي ولا يحمده عاقل وكان الصواب حيث اقتصر على معنى البيت الرابع أن يأتي بعبارة مطابقة كما قلناه نحن

عليك كمال ذاتك فاسع فيها ** وليس عليك عز أو هوان

وليس إليك أيضا فاسع فيما ** إليك وأنت مشكور معان

فذم الدهر للإنسان خير ** من الإنسان ذم به الزمان

فهذا البيت واف بالمعنى الذي قاله أشياخ الكرخي مطابق له من غير زيادة ولا نقص وأحسن من هذا كله قول بعضهم

جهل الفتى عار عليه لذاته ** وخموله عار على الأيام

وقول الآخر

أن يكون الزمان عيبي أولى ** بي من أن أكون عيب الزمان

وقول الآخر

ما في خمولي من عار على أدبي ** بل ذاك عار على الدنيا وأهليها

1313 محمد بن عبد الحاكم بن عبد الرزاق البلفيائي

من فقهاء المصريين

وهو والد شيخنا القاضي زين الدين أبي حفص عمر

أخبرني ولده أن له شرحا على الوسيط لم يكمله

ورأيت ولده المذكور قد نقل عنه في شرحه على مختصر التبريزي لما تكلم على قول الأصحاب إنه يجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم النضح وأن المراد به لم يطعم غير اللبن فقال في شرح الوسيط لوالدي أن الشافعي رضي الله عنه قال والرضاع بعد الحولين بمنزلة الطعام والشراب

1314 محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المرشدي

الشيخ الصالح ذو الأحوال

قرأ على ضياء الدين بن عبد الرحيم

وكان مقيما بمنية بن مرشد بالديار المصرية

واتفق الناس على أنه لو ورد عليه في اليوم الواحد العدد الكثير من الخلق لكفاهم قوت يومهم وأطعمهم ما يشتهونه ولا يعرف أحد أصل ذلك ولا يحفظ عليه أنه قبل لأحد شيئا

وتحكى عنه مكاشفات كثيرة نفع الله به

توفي في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

وهو أخو سيدي الشيح أحمد أعاد الله من بركاته

1315 محمد بن داود بن الحسن التبريزي السيد صدر الدين بن قطب الدين

له شرح على كتاب النبيه مختصر التنبيه لابن يونس رحمه الله

1316 محمد بن خلف بن كامل القاضي شمس الدين الغزي

رفيقي في الطلب

مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزة

وقدم دمشق فاشتغل بها ثم رحل إلى قاضي حماة شرف الدين البارزي فتفقه عليه وأذن له بالفتيا ثم عاد إلى دمشق وجد واجتهد

صحبته ورافقته في الاشتغال من سنة تسع وثلاثين وسبعمائة سنة مقدمتنا دمشق إلى أن توفي وهو على الجد البالغ في الاشتغال

أما الفقه فلم يكن في عصره أحفظ منه لمذهب الشافعي يكاد يأتي على الرافعي وغالب المطلب لابن الرفعة استحضارا وله مع ذلك مشاركة جيدة في الأصول والنحو والحديث

وحفظ التلخيص في المعاني والبيان للقاضي جلال الدين

وصنف زيادات المطلب على الرافعي

وجمع كتابا نفيسا على الرافعي يذكر فيه مناقب الرافعي بأجمعها وما يمكن الجواب عنه منها بتنبيهات مهمات في الرافعي ويستوعب على ذلك كلام ابن الرفعة والوالد رحمهما الله ويذكر من قبله شيئا كثيرا وفوائد مهمة ولم يبرح يعمل في هذا الكتاب إلى أن مات فجاء في نحو خمس مجلدات أنا سميته ميدان الفرسان فإنه سألني أن أسميه له وكان يقرأ علي غالب ما يكتبه فيه ويسألني عما يشكل عليه فلي في كتابه هذا كثير من العمل وبالجملة لعلنا استفدنا منه أكثر مما استفاد منا

وكان من تلاوة القرآن وكثرة التعبد وقيام الليل وسلامة الصدر وعدم الاختلاط بأبناء الدنيا بمكان

استنبته في الحكم بدمشق ونزلت له عن تدريس التقوية ثم تدريس الناصرية وكان قد درس قبلهما في حياة الوالد رحمه الله بالحلقة القوصية بالجامع فاجتمع له التداريس الثلاثة مع إعادة الركنية وإعادة العالدية الصغرى وتصدير على الجامع وإمامة الكلاسة

وكان الوالد رحمه الله يحبه وكان هو يحضر دروس الوالد ويسمع كلامه

وسألني مرات أن يقرأ عليه شيئا فما تهيأ له لكنا كنا نطالع في ليالي الشتاء سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة أو أربع وأربعين بدار الحديث الأشرفية الرافعي أنا والغزي وتاج الدين المراكشي في غالب الليل ويخرج الوالد في بعض الأحايين ويجلس معنا فيسمع قراءتي تارة وقراءته أخرى ويأخذ عنه

توفي الغزي ليلة الأحد رابع عشر رجب سنة سبعين وسبعمائة بمنزله بالعادلية الصغرى بدمشق فإنه كان معيدها

وسكن في بيت التدريس أعاره إياه مدرسها الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني فسكن فيه مدة سنين

ودفن من الغد بتربتنا بسفح قاسيون والناس عليه باكون متأسفون فإنه حكم بدمشق نحو أربع عشرة سنة لا يعرف منه غير لين الجانب وخفض الجناح وحسن الخلق مع لزوم التقوى ومحبة الفقراء

1317 محمد بن عبد الله بن عمر

الشيخ زين الدين بن علم الدين بن زين الدين بن المرحل

ولد بعد سنة تسعين وستمائة

وتفقه على عمه الشيخ صدر الدين

ودرس بالقاهرة بالمشهد الحسيني ثم بدمشق بالشامية البرانية والعذراوية وكان رجلا فاضلا دينا عارفا بالفقه وأصوله

صنف في الأصول كتابين

توفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

1318 محمد بن عبد الرحمن بن عمر قاضي القضاة جلال الدين القزويني

قدم دمشق من بلاده هو وأخوه قاضي القضاة إمام الدين وأعاد بالمدرسة البادرائية ثم ناب في القضاء بدمشق عن أخيه ثم عن قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى ثم ولي خطابة دمشق ثم ضاء القضاة بها ثم انتقل إلى قضاء القضاة بالديار المصرية لما أضر القاضي بدر الدين بن جماعة فأقام بها مدة ثم صرف عنها وأعيد إلى قضاء الشام

وكان رجلا فاضلا متفننا له مكارم وسؤدد

وكان يذكر أنه من نسل أبي دلف العجلي

وهو مصنف كتاب التلخيص في المعاني والبيان وكتاب الإيضاح فيه

ذكره الشيخ جمال الدين بن نباتة في سجع المطوق فقال الإمام المقدم على التحقيق والغمام المنشئ في مروج مهارقه كل روض أنيق والسابق لغايات العلوم الذي خلي له نحوها عن الطريق والبازي المطل على دقائقها الذي اعترف له بالتقصير ذوو التحليق والهادي لمذاهب السنة الذي يشهد البحث أن بحر فكره عميق والحبر الذي لا تدعي نفحات ذكره الزهر والصحيح أنها أعطر من المسك الفتيق ناهيك به من رجل على حين فترة من الهمم وظلمة من الدهر لا كالظلم أطلعه الشرق كوكبا ملأ نوره الملا لا بل بدرا لا يغتر بأشعة تواضعه الأعلون فيشرئبون إلى لا بل صبحا يحمد لديه الطالب سراه لا بل شمسا يتمثل في شخصه علماء الدهر الغابر فكان مرآة مرآه

وذكره القاضي شهاب الدين ابن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار فقال من ولد أبي دلف ومن مدد ذلك السلف ولي أبوه وأخوه وشبهت النظراء ولم يؤاخوه ولي الخطابة وشآفنها ورقى أعواد المنابر وهز غصنها وكان صدر المحافل إذا عقدت وصيرفي المسائل إذا انتقدت وكان طلق اليدين وطرق الكرم وإن كان بالدين

انتهى

توفي القاضي جلال الدين بدمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

وفيه يقول القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي وكيل بيت المال وإمام الأدب في هذا العصر من قصيدة امتدحه بها

هذا الإمام الذي ترضى حكومته ** خلاف ما قاله النحوي في الصحف

حبر متى جال في بحث وجاد فلا ** تسأل عن البحر والهطالة الوطف

له على كل قول بات ينصره ** وجه يصان عن التكليف بالكلف

قد ذب عن ملة الإسلام ذب فتى ** يحمي الحمى بالعوالي السمر والرعف

ومذهب السنة الغراء قال به ** وثقف الحق من حيف ومن جنف

يأتي بكل دليل قد حكى جبلا ** فليس ينسفه ما مغلط النسفي

وقد شفى العي لما بات منتصرا ** للشافعي برغم المذهب الحنفي

يحيي دروس ابن إدريس مباحثه ** فحبذا خلف منه عن السلف

فما أرى ابن سريج إن يناظره ** من خيل ميدانه فليمض أو يقف

ولو أتى مزني الفقه أغرقه ** ولم يعد قطرة في سحبه الذرف

وقد أقام شعرا الأشعري فما ** يشك يوما ولا يشكو من الزيف

وليس للسيف حد يستقيم به ** ولو تصدى له ألقاه في التلف

والكاتبي غدا في عينه سقم ** إذا راح ينظر من طرف إليه خفي

من معشر فخرهم أبقاه شاعرهم ** في قوله إنما الدنيا أبو دلف

أفتى القاضي جلال الدين وهو خطيب دمشق في رجل فرض على نفسه لولده فرضا معينا في كل شهر وأذن لأمه حاضنته في الإنفاق والاستدانة والرجوع عليه ففعلت ذلك ومات الآذن بأن لها الرجوع في تركته

وتوقف فيه الشيخ برهان الدين بن الفركاح لقول الأصحاب إن نفقة القريب لا تصير دينا إلا بقرض القاضي أو إذنه في الاستقراض فإن ذلك يقتضي عدم الرجوع وقولهم لو قال أطعم هذا الجائع وعلي ضمانه استحق عليه ولو قال أعتق عبدك وعلي ألف استحق يقتضي الرجوع

قلت الأرجح ما أفتى به القاضي جلال الدين من الرجوع

1319 محمد بن عبد الرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي

المتكلم على مذهب الأشعري

كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين

اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب التحصيل

وسمع من الفخر بن البخاري

روى عنه شيخنا الذهبي

ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة وفي أصول الفقه النهاية والفائق والرسالة السيفية

وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية

مولده ببلاد الهند سنة أربع وأربعين وستمائة

ورحل إلى اليمن سنة سبع وستين ثم حج وقدم إلى مصر ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين

ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين واستوطنها ودرس بالأتابكية والظاهرية الجوانية وشغل الناس بالعلم

توفي بدمشق سنة خمس عشرة وسبعمائة

وكان خطه في غاية الرداءة وكان رجلا ظريفا ساذجا فيحكى أنه قال وجدت في سوق الكتب مرة كتابا بخط ظننته أقبح من خطي فغاليت في ثمنه واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم

ولما وقع من ابن تيمية في المسئلة الحموية ما وقع وعقد له المجلس بدار السعادة بين يدي الأمير تنكز وجمعت العلماء أشاروا بأن الشيخ الهندي يحضر فحضر وكان الهندي طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة ولا اعتراضا إلا قد أشار إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بعد على المعترض مقاومته فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء فقال له الهندي ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان فر إلى مكان آخر وكان الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم فكلهم صدر عن رأيه وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسئلة وهي التي تضمنت قوله بالجهة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم